المجتمع وأثرة في أعمال فنانين ما بعد الحداثة
* عايد بركي العتيبي
يعد المجتمع من احد العوامل المحيطة المهمة التي تؤثر بالفنان بشكل أو بآخر في تعزيز مدركاته الحسية حيث أن المجتمع يشكل مصدرا ملهما للكثير من الأعمال الفنية وكذلك هو الذي يدعم ويعزز أفكار الفنان من خلال ما يقوم ويحور ويضيف ويأخذ من المجتمع بشكل يشبه في ذهن المتلقي حالات مثيرة وممتعة. وحينما يتجه الفنان نحو إنجاز أي عمل فني يصب جل اهتمامه في التعرف على ما هو موجود في مجتمعة، ومن ثم يتعرف على التكنولوجيا والتقنية والأداء لكي يمارس عمله الفني. وإن الطبيعة المجتمعية هي المنبع الروحي للقواعد، والطبيعة المجتمعية قد تكون مماثلة في جسم الإنسان وعاداته وغرائزه، فلإنسان نفسه ظاهرة طبيعية من ظواهر هذا الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى.(1)
ومع التحولات التي ظهرت منذ نهاية الستينيات في حركة الفن العالمية, تم القضاء على الجمالية الموروثة والمرتبطة بفكرة الشكلانية, واحل محلها واقع جديد للعمل الفني يستمد جمالياته وقيمة من المجتمع الذي أصبح يتميز بالتغير السريع، وعلى هذا لم يعد العمل الفني كمنتج مبتكر قادر بحد ذاته على التعبير عن تلك المقومات الحضارية الجديدة , فظهرت اتجاهات فنية في عصر ما بعد الحداثة تصيغ جمالية فنية جديدة وتهدف إلى التواصل مع المجتمع بكل متغيراته.
ويذكر (محسن عطية) إلى طبيعة عمل الفنان بقوله: أراد الفنان في عصر ما بعد الحداثة أن يعيد الفن إلي طبيعته التاريخية وان يتحرر من النظرة الواحدية الجانب وان ينوع الرؤية إلي مستوي التعددية و التحول من عالم النخبة و الفوقية إلي عالم ديمقراطية التذوق.(2)
وهذا ما تيقن له فنانو ما بعد الحداثة متمثله في اتجاه البوب آرت بالصلة القوية والوثيقة بين الفن والمجتمع وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، وقد وصف فنهم بأنه "فنًا اجتماعياً" حيث أن فنهم يصل بين الفنان والآخرين من خلال أن هذا الاتجاه الفني كان متداخلا ومرتبطًا بسائر شئون المجتمع ومظاهره. "ولذلك فكانت الركيزة الأولى لفناني البوب آرت هي في كيفية أن يقيموا مجموعة من الروابط الفنية مع الظواهر الاجتماعية الأخرى مثل الظواهر الاقتصادية، السياسية، الأخلاق، والمعتقدات، ومن هنا كان المبدأ الفكري والفلسفي عندهم أن الفنان يخضع للمؤثرات العامة ويعبر عنها بما توحيله إلية هذه الأحداث المحيطة ، ولذلك أصبح مقياس القيم المطلقة للعمل الفني ينبع من الأهمية الاجتماعية الواجبة، ولذلك أهتم فنانو البوب آرت بتجارب المجتمع وواقعه الملموس ليسايروا التقدم الفكري وأساليب الحياة التي سادت فيه أفكار غير الأفكار القديمة.(3)
ومن خلال ارتباطهم بالبيئة والمجتمع وما يحويه من مظاهر وعادات انعكست على الإطار الفني لديهم نجده ظهر جليا في أعمالهم وإطارهم الفكري والفلسفي المعتمد على تقبل الواقع الاجتماعي الذي ارتبط تماما بطبيعة المجتمع , وتعبيراً عن ما يشهده من ثورة صناعية وتكنولوجية , الأمر الذي جعل هذا الفن ظاهرة متميزة تختلف كل الاختلاف عن ما سبقه من ميراث فني تقليدي , حتى أصبح الهدف الأساسي لفن البوب آرت هو جعل المشاهد أكثر وعيا وانفتاحا لما يوجد حوله ليصبح أكثر علما بنفسه وبيئته الموجود فيها من خلال استعمال الخامات التي تمس الواقع الحقيقي والاجتماعي وتعبر عنه بالصورة السليمة التي تتوافق مع طبيعة وتفكير المجتمع حتى تصبح درجة الإحساس بها للمشاهد أكبر وأعمق .
والفن له بعض الوظائف في المجتمع ما بين الوظيفة النفعية والوظيفة الجمالية والوظيفة الإرشادية الإخبارية...وأحياناً يكون الفن تلبية للحاجات البشرية في المجتمع، "وتسعى الطبقات في المجتمع إلى تجنيد الفن من أجل خدمة أغراضها، لذا نلاحظ إن أسلوب وشكل الفن الساند في مجتمع وعصر معين يرتبط بالطبقة السائدة.(4)
وأن علاقة الإنسان بمجتمعة أو بالمكان الذي يعيش فيه تجسد في أبسط صورها نموذجا فريدا للانتماء إلى الطبيعة المألوفة لدينا، ويتمثل هذا في تطبعنا ببعض مظاهر الطبيعة الموجودة والمتشكلة في البيئة الاجتماعية وهذه نعدها مضمونا فنيا وجوهريا، إضافة إلى أنها تعبير عن علاقة البشر ببعضهم في مكان يصبح جزءا من العلاقة في زمان يؤكد موروثة الحضاري. وتشكيل البيئة بمفهومها الطبيعي أو الجغرافي أساسا في تمييز الفنون حيث تأكد بالفعل تأثير عوامل البيئة والمناخ في ذوق الشعوب وإبداعاتها.(5)
المصادر
1- عبد الفتاح رياض، التكوين في الفنون التشكيلية، دار النهضة العربية، ط1، القاهرة، 1986م.
2- محسن محمد عطية : الفنان والجمهور ,دار الفكر العربى, 2001م
3- سحر السعيد الديب, فلسفة التصوير في فن البوب كمدخل للوصول إلى فن جماهيري مصري، رسالة دكتوراه، جامعة حلوان، 2005م.
4- نفس المرجع رقم (2)
5- برت يلي، جان، بحث في علم الجمال ترجمة : أنور عبد العزيز ، مراجعة نظمي لوفا، الجامعة المستنصرية، المطبعة المصرية، 1986م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق